تاريخ مدينة وجدة عاصمة الشرق
تعد مدينة وجدة "عاصمة الشرق" من أهم و أعرق المدن المغربية، لها تاريخ حافل، عرفت أحداثا و محطات حاسمة، و لا تزال مجموعة من الآثار و المعالم التاريخية السياحية تشهد على هده الحضارة الشامخة، و العظماء الدين تعاقبوا على حكمها و حكم المملكة المغربية، كما تعتبر مدينة جميلة و أهلها طيبون و محافظون، و لايزالون يحافظون على تقاليدهم الأصيلة، و متشبثون بتعاليم ديننا الحنيف، فهي تسمى عاصمة المساجد، و تصنف في المراتب الأولى عالميا، ضمن المدن التي تضم أكبر عدد من المساجد، و هي مدينة حدودية توجد شرق المملكة، متاخمة على الحدود المغربية الجزائرية، و تتوفر على معبر بري يسمى "زوج بغال" الدي كان يستعمل في التبادل التجاري بين البلدين و كدا نقطة عبور للأشخاص، و دلك قبل أن يتم اغلاقه.
تاريخ و حضارة مدينة وجدة |
تأسيس و أصل تسميتها باسم وجدة
لقد تم تشييد مدينة وجدة سنة 384 هجرية الموافق ل 994 ميلادية، من طرف القائد زيري بن عطية المغراوي، و أهم الروايات التي تتحدث عن سبب تسميتها بهذا الاسم "وجدة"، فهي تروي أنه بعد اغتيال الملك ادريس الأول على يد سليمان بن جرير الشماخ، ظل كل المغاربة يترصدونه و يقتفون آثاره من أجل الانتقام منه، فتمكنوا أخيرا من العثور عليه بهذا المكان، و تم قتله به، و من تم أطلق عليه اسم "وجدة"، كاسم مشتق من فعل وجد ، أي عثر على الشيء، و بالتالي فبعد العثور عليه بهذا المكان و الانتقام منه فيه، أطلق عليه دلك الاسم، و بقيت مند دلك الحين تحمل المدينة اسم "وجدة".
أهم المحطات التاريخية
بعد أن قام السلطان يوسف بن تاشفين بفتح المدينة سنة 1073 ميلادية، تمكن السلطان أبو يوسف بن يعقوب المريني من السيطرة عليها سنة 1272 ميلادية، كما شهدت عدة مواجهات ضد العثمانيين الدين كانوا يحتلون الجزائر، و شهدت عدة ثورات أهمها و أشهرها ثورة "بوحمارة"، و بعدها كانت مسرحا لهجوم المستعمر الفرنسي على تراب المملكة انطلاقا من الجزائر و دلك بحكم قربها و محاذاتها للجزائر التي كانوا يحتلونها، و انتهاء بجعلها نقطة اجتماع عناصر المقاومة الجزائرية و ترتيب صفوفهم و الانطلاق لمجابهة المستعمر.
ثورة بوحمارة
شهدت مدينة وجدة أقوى ثورة سميت بثورة "الروكي بوحمارة"، و يرجع سببها الرئيسي الى تشتت القبائل المكونة لمدينة وجدة و انقسموا الى محمديين و روكيين، فاندلعت هده الثورة بزعامة "السهلي" و التي يرجع تاريخها الى سنة 1886 ميلادية، و التي من خلالها أجبر الثوار الحاكم "عبد الملك السعدي" على الهروب الى الجزائر.
احتلال وجدة من طرف فرنسا
كانت فرنسا تحتل الجزائر لمدة طويلة، و ظلت من خلالها تحاول الدخول الى المغرب و احتلاله انطلاقا من وجدة الحدودية، غير أنها اصطدمت بمقاومة شرسة، فلم تستطع الوصول الى مبتغاها، و لم يتأتى لها دلك حتى غاية سنة 1907 ميلادية، و قد خاضت حركات المقاومة معارك كثيرة ضد المستعمر و ألحقت بهم خسائر مادية و جسمانية مهمة، رغم انهزامهم في معركة اسلي، بسبب نفاد الذخيرة و قلة المؤونة، كما أن هدة المدينة عرفت ثورات كبيرة و مظاهرات حاشدة بعد نفي السلطان محمد الخامس من طرف المستعمر الفرنسي، و استمرت في النضال و المقاومة الى أن عاد السلطان و حصول المملكة على استقلالها.
أهم المؤتمرات و الشخصيات السياسية التي احتضنتها
لقد شكلت مدينة وجدة و كل ضواحيها بمثابة القاعدة الخلفية للمقاومة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، حيث كان زعمائهم و بمساعدة أشقائهم المغاربة يتخذون من هده المدينة و بحكم قربها اليهم، نقطة التقاء و تخطيط و انطلاق في مختلف معاركهم التي خاضوها في سبيل التحرر و الانعتاق، و من أهم الشخصيات الجزائرية التي زارتها سواء أثناء المقاومة أو بعدها ندكر كل من الهواري بومدين، بن بلة، بوضياف، بوتفليقة الدي ترعرع بها و تابع دراسته بها، و كدلك زيارة الشادلي بن جديد سنة 1984 ميلادية و غيرهم كثيرا، و كدلك زيارة قام بها اليها الراحل معمر القدافي لما كان رئيسا لدولة ليبيا في اطار الدعوة لاقامة الاتحاد المغاربي، ....
أهم المعالم التاريخية بالمدينة
تضم مدينة وجدة عدة أثار و معالم تاريخية تشهد على مختلف الأحداث التي بصمت عليها في مختلف المحطات عبر التاريخ، و ندكر بعضها أسوار المدينة القديمة التي لازالت صلبة و قائمة و تعود الى حقبة بانيها الزعيم زيري بن عطية، و تتخللها عدة أبواب أشهرها "الباب الغربي" و "باب سيدي عبد الوهاب"، و هناك أيضا "ساحة 16غشت" التاريخية، كنيسة "سان لويس""، و عدة زوايا أهمها زاوية مولاي عبد القادر، و المدينة القديمة، كما توجد بها مجموعة من القواعد و المنازل العتيقة التي استعملتها المقاومة و احتضنت لقاءات المقاومة الجزائرية و التي لا تزال قائمة الى حد اليوم، المنزل الدي ترعرع و نشأ به الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، .... و هناك أيضا معالم كثيرة يعود أغلبها الى حقبة الاستعمار الفرنسي كدار السبتي و هي عبارة عن منزل تم بناءه من قبل أحد التجار و يتميز بفخامته و معماره الأصيل الرائع، "حديقة لالة عايشة" وهي من الحدائق المشهورة بمدينة وجدة، شاسعة المساحة و قديمة جدا و لازالت غناء خضراء يقصدها العديد من الزوار يوميا، ....
أهمية مدينة وجدة داخل المملكة
تعد مدينة وجدة عاصمة الجهة الشرقية، و تلعب دورا مهما في التنمية، كما أنها حدودية حيث كانت تعتبر نقطة التقاء و عبور لكل أبناء الاتحاد المغاربي، و دلك عبر المعبر الحدودي "زوج بغال" ، حيث ساهم في التبادل التجاري الحر بين البلدين و ساهم في تنشيط التجارة و الاقتصاد في البلدين و خصوصا بالمدن و القرى الشرقية، كما كان يساعد في توثيق أواصر الصلة و القرابة برا و دون الحاجة الى التنقل بواسطة الطائرة و قطع مسافة طويلة و مصاريف كثيرة، لكن هدا المعبر تم اغلاقه من جهة الجزائر و لم يعد المعبر مفتوحا في وجه المبادلات التجارية و كدا الأشخاص.
خلاصة
يولي المغرب أهمية بالغة لمدينة وجدة و كل الجهة الشرقية في سبيل تطويرها و تنميتها، ودلك من خلال انجاز مشاريع كبيرة و اطلاق الاستثمارات الضخمة من أجل تنويع الاقتصاد الدي كان يعتمد على التجارة و الفلاحة، فأصبحت وجهة سياحية أيضا، خصوصا أنها تتوفر على مناظر و تضاريس متنوعة إضافة الى عدة معالم تاريخية تجلب الزائرين و السياح من مختلف البقاع.